شواطئ المتوسط... صيفها ملوث جدا

قلم - زياد عبدالقادر

شواطئ البحر المتوسط خطر على المصطافيين هذا العام

فجأة وبدون مقدمات تحول لون مياه البحر الأبيض المتوسط على شواطئ غزة من اللون الأزرق الزاهي إلى الأسود الداكن، إلى جانب تصاعد روائح كريهة مصدرها مياه الصرف الصحي، والتي اندفعت نحو البحر مع توقف محطات معالجة الصرف الصحي، حيث إن أزمة انعدام الوقود أدت إلى تعطيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي.

وشاطئ غزة يعد المتنفس الوحيد للناس في الصيف، لكن مع احتوائه على نسب عالية من الملوثات أطلقت مؤسسات صحية وحقوقية تحذيرات لسكان القطاع تدعوهم لعدم التوجه نحو الشاطئ؛ بسبب تلوثه بمياه الصرف الصحي غيـر المُعالجة.

وامتد التلوث إلى شواطئ مدينة حيفا؛ حيث تقوم المصانع الإسرائيلية هناك بإلقاء مخلفاتها في البحر المتوسط دون معالجتها المعالجات الكيميائية المناسبة.

ويعد التلوث الناتج عن إلقاء الصرف الصحي الغير معالج في البحار والأنهار أخطر أنواع الملوثات التي تصيب المياه.

غزة ليست الوحيدة

ومن المتوقع أن يمتد أثر التلوث ليصل شواطئ سوريا ولبنان وشمال سيناء، وقد يصل إلى شواطئ قبرص واليونان، حسبما يؤكد الدكتور "مجدي حفني" مدير المركز الإقليمي لبحوث ودراسات أخلاقيات المياه، مؤكدًا على انعكاس ذلك على موسم السياحة الصيفي بتلك البلدان.

لذلك تم الاتفاق مع المعهد العالي لعلوم البحار في مصر على خروج لجنة استكشافية لقياس نسب تلوث مياه المتوسط قبالة السواحل الشمالية المصرية؛ لبحث مدى تأثر شواطئها ومنطقة الحدود الإقليمية للمياه بين مصر والأراضي المحتلة؛ لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. ولذلك لم يستبعد الخبراء أن يكون صيف 2008 ملوثًا جدا على شواطئ المتوسط وخاصة دول الشرق الأوسط.

بحر ميت

يقول الدكتور "جابر الدسوقي" الأستاذ بكلية العلوم جامعة قناة السويس: "إن تلوث المياه بمخلفات الصرف الصحي هو الأخطر؛ حيث يصعب التعرف على ما تحمله من سموم ومخلفات بأنواعها المختلفة وخاصة المذيبات العضوية التي يصعب التعرف عليها بعكس المعادن الثقيلة، ويؤدي هذا النوع من التلوث إلى حدوث خلل في مكونات الماء مثل انخفاض نسبة الأكسجين فيه وزيادة ثاني أكسيد الكربون، فتصبح البيئة البحرية قبالة هذه السواحل غير صالحة للحياة".

وحذر من أن زيادة نسبة الصرف الصحي في شواطئ غزة قد تحول البحر المتوسط إلى بحر ميت خالٍ من الأحياء البحرية والتكوين البيولوجي لهذه المنطقة، وتغيير النظام البيئي نتيجة حدوث خلل في منظومة السلسلة الغذائية في هذه المنطقة؛ مما يؤدي إلى انقراض بعض الأنواع وهجرة البعض الآخر بعيدا عن سواحل المنطقة الملوثة.

وشدد الدكتور جابر على رفضه تحديد أي الدول المجاورة التي سوف تتأثر بالصرف الصحي الغير معالج، موضحا أنه من المحتمل أن يغطي دائرة كبيرة جدا، سواء شمال البحر المتوسط عند اليونان وقبرص وتركيا، أو في الشرق عند سوريا ولبنان أو في الجنوب عند مصر، مشيرا إلى أن تعدد التيارات البحرية في مياه المتوسط تصعّب من التكهن بأماكن الإصابات، غير أن أغلب الرياح ستكون جنوبية شرقية مما يجعلها تتجه قبالة سواحل سوريا ولبنان، وربما سواحل مدينة العريش في سيناء.

التلوث والمصطافون

وأوضح الدكتور أن التأثيرات العضوية لهذه الملوثات على الشواطئ ربما يشعر بها المصطافون هذا العام؛ فمن المتوقع أن يلاحظوا تغيرًا في لون المياه أو روائح كريهة منبعثة منها، أو بعض التأثيرات الحيوية التي تلاحظ بالعين المجردة مثل زيادة أعداد ما يعرف بقنديل البحر"Jelly Fish" نتيجة موت نوع معين من السلاحف البحرية التي تتغذى عليه، ويظهر ذلك بوضوح في مدينة العريش في سيناء نتيجة إخلال التلوث بالتوازن البيئي.

وحذر من تعود مرتادي الشواطئ على الحروق، ليس فقط تلك التي تسببها أشعة الشمس، بل أيضا تلك التي تحدثها قناديل البحر؛ إذ من المتوقع أن يزداد عدد هذه الرخويات القاطنة البحر المتوسط بشكل كبير في المستقبل القريب بفعل انخفاض عدد عدوّها الأول "السلحفاة البحرية" لتصل إلى بقية المدن المصرية المطلة على البحر المتوسط في رأس البر وجمصة وربما تصل إلى الإسكندرية ومطروح خلال سنوات.

احذر تناول السمك

وأطلق الدكتور نداء شديد اللهجة يدعو فيه إلى توخي الحذر عند تناول بعض أنواع الأسماك؛ حيث إن أثر التلوث سيظهر على بعض الأنواع، حسب قدرتها على تحمل العيش في وسط ملوث من عدمه، ومكمن الخطورة هنا يكمن في النوع الأول مثل الجمبري والجندوفلي وأم الخلول وبعض الأسماك الأخرى؛ لأن قشورها من النوع التراكمي، وبالتالي يحمل كميات كبيرة من السموم التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالتسمم أو أعراضه عند تناولها، ومع تكرار تناول هذه الأنواع من الأسماك ربما يؤدي إلى الوفاة.

شهادة وفاة

في حين يقول د."على أحمد" الأستاذ بالمعهد القومي لعلوم البحار "المتوسط هو أقدم بحار العالم‏..‏ وربما يكون أول بحر تكتب شهادة وفاته قريبا جدا؛ لأن البحر التاريخي تحولت شواطئه لمقالب قمامة رسمية‏، وتعرضت مدنه الساحلية للتآكل، حتى رماله جردناه منها‏، فبعض الدول تقوم بعملية قتل غير رحيم له يوميا، والأرقام الدالة عليها مفزعة، والجريمة أكبر من أن نسكت عليها".

وأوضح أن مشكلة البحر المتوسط تبدأ من كونه بحرا شبه مغلق؛ بسبب عدم اتصاله مع بحار أخرى إلا من خلال مضيق جبل طارق مع المحيط الأطلسي، وقناة السويس مع البحر الأحمر، وقناة البسفور مع البحر الأسود، لكن مشكلته الأهم تكمن في وجود ما يقارب 150 مليون شخص يعيشون في المناطق الساحلية المحيطة بالبحر المتوسط في وقت يصل مجموع سكان الدول المتوسطية إلى حوالي 424 مليون شخص، ونسبة نمو تصل إلى 1.3%، بالإضافة إلى وصول 170 مليون سائح سنويا إلى المنطقة؛ مما يشكل ثلث حركة السياحة في العالم تقريبا.

وقال أستاذ علوم البحار:"إن بعض التقارير الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة تؤكد أن نسبة إلقاء مياه المجاري فيه تصل من 70 إلى 85 % من دون أي معالجة"، كما أشارت نفس التقارير إلى رمي نفايات المصانع الساحلية وغير الساحلية؛ حيث يقوم حوالي 60 مصنعًا لتكرير البترول برمي 20 ألف طن من النفط سنويا في البحر.

فهل حقا ستكتب شهادة وفاة هذا البحر التاريخي في غزة؟!

مشكور اخي مؤمن على موضوع الشيق