فلسطين . . أرض بلا شعب!
http://www.ourpalestine.org/land.htm (بتصرف بسيط)
فلسطين أرض بلا شعب . . لشعب بلا أرض" . . عبارة ظل الصهاينة يرددونها مع بداية سنوات النكبة، وكأنهم بذلك قد حلوا المعادلة التي يصعب حلها، ولكنهم تناسوا مع زعمهم هذا أن فلسطين أرض بها شعب، ولسنا في معرض إثبات ذلك، فحقيقة وجود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين لا يستطيع أحد أن ينكرها، إلا إذا استطاع أن ينكر معها حقيقة وجود الشمس والهواء . . هذا الشعب له تاريخه، ولها ثقافاته وعاداته وتقاليده ولهجته وأغانيه وطبائعه، وقبل كل ذلك له عقيدته التي استمد منها قدسية الأرض التي يعيش عليها والمسجد الأقصى الذي قد يُحْرَم أحيانًا من الصلاة فيه . . أدرك الصهاينة جيدًا أن إلغاء ثقافة وتاريخ وحضارة هذا الشعب هو شهادة الوفاة الحقيقة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها، فحاولو بشتى الطرق والوسائل فصله عن ثقافته . . عن تاريخه . . عن حضارته، وفي هذا الصدد يقول "فيكتور سحاب" - وهو كاتب وموسيقي مهتم بالتراث الشعبي الفلسطيني: "كل تراث شعبي يقتضي في العصر الحديث جهودًا مضاعفة لحمايته من الدثور، فكيف إذا اجتمعت لِمَحْوِه عوامل العصر الاعتيادية وعوامل الاحتلال غير العادية التي تتعمد القضاء على ملامح الشعب الفلسطيني للقضاء على وجوده؟" . . ويضيف مؤكداً على ضرورة العمل على حفظ هذا التراث: "وإذا كانت مهمة تسجيل ملامح الشعب الفلسطيني خطيرة وضرورية، فإن تسجيل هذه الملامح ليس من شأن التاريخ وحده، بل هو مسألة معايشة يومية للتراث على النحو الذي يحفظ لهذا الشعب لا ذكراه في المستقبل بل وجوده الحقيقي وكيانه وشخصيته ووحدته الثقافية والاجتماعية من خلال نسيجه الشعبي الموروث. وفي الحقيقة أن الحديث عن ثقافة أي شعب تفرد له مجلدات دون الانتهاء من حصر معالم تلك الثقافة، لكنَّنا نشير هنا إلى طرف من تلك الثقافة الشعبية التي تميَّز بها الفلسطينيون، وذلك باستعراض خصائص اللهجة الفلسطينية في نطق بعض الحروف - كما وردت في الموسوعة الفلسطينية:
الكشكشة: وهي تصبغ لهجة الفلاحين بطابع قروي صميم، فالقروي الفلسطيني يقلب حرف الكاف شينًا معطشة (أي ما يشبه حرف ch باللغة الإنجليزية)، فيقولون: "تشيف حالك" بدلاً من "كيف حالك".
العنعنة: "عنعنة تميم" وهي إبدال الهمزة عينًا، وهي ظاهرة ما زالت متفشية بين البدو شبه الرحل، وكذلك بين عدة قرى فلسطينية، فهم يقولون: "عن" بدلاً من "أن" مثل: " خطر في بالنا عن نزور فلان" ويقولون: "لع" بدلاً من (لأ) أي (لا) . .
كسر الحروف الأولى: من أفعال المضارعة (تِبكون، نِجتهد، . .)
إبدال حرف الضاد (ظ): ضربني = ظربني، فضة = فظة
قلب حرف القاف همزة أو (ك): ففي المدن تقلب (القاف) همزة، وأما في القرى فتنقلب (القاف) (كافًا)، فيقول أهل المدن: "أتل" بدلاً من (قتل)، وأما القرويون فيقولون: "كتل" . .
قلب العين (نونًا): فيقولون: (أنطيني) بدلاً من أعطيني وهي لهجة يمنية أصلاً وبدوية، ويستخدم هذا اللفظ غالبًا في شمال فلسطين.
قلب الهمزة (واوًا): (وين) بدلاً من (أين).
زيادة (شين) في آخر الكلمة للنفي: ما لعبت = ملعبتش
زيادة صوت (السين) إلى حرف (التاء): مثل (انتسو) بدلاً من (انتوا) وذلك في الخليل فقط.
اختصار بعض الكلمات واختزالها: مثل (هذه الساعة) التي تصبح (هسّع) ثم (إسّه)، وقد كثر استعمال هذا اللفظ تحديدًا في شمال فلسطين، بينما يستخدم أهالي المناطق الوسطى للمعنى نفسه كلمات أخرى، ففي نابلس يقولون: (هلَّق) وفي الخليل: "هلئيت"، والقرويون يقولون: "هسَّه" وكلها اختصاراً لـ(هذه الساعة) أو لـ(هذا الوقت).
والأمثلة في هذا المجال كثيرة، كما أن مظاهر التراث الفلسطيني لم تقتصر على اللغة أو اللهجة، بل تعدّت ذلك إلى اللباس المميز الخاص، والمتنوع والمختلف من مدينة لمدينة وقرية لأخرى، كما يوجد هناك عادات الزفاف، وطرق إقامة الاحتفالات، وأنماط الزيارة في الأعياد، والأكلات، وغير ذلك الكثير، وليس مجالنا هنا سردها، بل حسبنا من الاستشهاد الإثبات، أما ما هو جدير بالأهمية والملاحظة، فيتمثل في نقاطٍ ثلاثٍ، كل منها يثبت حفاظ الفلسطينيين على ثقافتهم وحضارتهم، وتمسكهم بعاداتهم ولهجاتهم مهما جرت الأيام، واستجدت الأحداث، واختلفت البيئات.
أول الملاحظات تكمن في حفاظ فلسطينيي الخارج على هذه العادات، فرغم ممارسات الصهاينة في طرد الفلسطينيين من أراضيهم وبلادهم، ورغم تشتتهم في معظم أنحاء العالم، رغم كل ذلك فقد حافظ فلسطينيو الخارج على نمط حياتهم، وحديثهم، ولبسهم، وكأنهم ما زالوا في أرضهم التي نشؤوا فيها، أو في قريتهم الصغيرة التي لا يعرفون من العالم غيرها، وعندما تتحدث إلى فلسطيني كبيرًا كان أم صغيرًا تجده يتحدث بلسان أهله، لدرجة تمكنك من تمييز من أي بلد هو إذا كنت خبيرًا باللسان الفلسطيني ولهجاته، والعجائز الفلسطينيات ما زلن يلبسن "الثوب الفلسطيني" المطرز ويرفضن تغييره، أما الرجال فيلبسون "الحطّة" وهو غطاء للرأس يشبه ما يضعه الخليجيون على رؤوسهم، يلبس الرجال والنساء ذلك رغم مرور ما يزيد على الثلاثين عامًا على طردهم من أرضهم! أما عندما تدخل بيت أحدهم، تجدها نسخة من بيته في بلده، حيث صُور الأقصى وفلسطين في كل مكان، والـ"جاعد" - وهو صوف الخروف - يغطي كراسي الجلوس، والمشغولات اليدوية التراثية التي صنعتها ربة البيت بيديها تملأ المكان، كما يحرص الفلسطينيون في أفراحهم على إظهار الجانب التراثي فيها، وهو الأمر الذي أوجد كثيرًا من الفرق الفلسطينية في العديد من الدول العربية، وهذه الفرق تعزف الأنغام الفلسطينية وترقص "الدبكة الفلسطينية"، في مدلول جديد على الحفاظ على التراث، والثقافة.
الملاحظة الثانية: هي المأكولات، فقد حافظ الفلسطينيون في كل مكان على تراثهم "الطعاميّ"، فمن خبز "الطابون" الذي تخبزه المرأة في البيت، إلى ضرورة تواجد "زيت الزيتون" و"الزعتر" و"الميرامية" في كل بيت، فلا شاي يشرب بدون الميرامية، ولا إفطار غير "المناقيش" - وهي خبز بزيت الزيتون والزعتر - لدرجة تصل إلى أن يوصي من في الخارج أهله في الداخل على إرسال "حصَّة" سنوية من هذه المأكولات لهم؛ ليخزن في البيت كمؤونة وزاد للعام كله.
أما الملاحظة الثالثة: فهي امتداد هذا التراث وتواصله، فمن ولد ونشأ خارج أرضه، لا يزال يحمل في قلبه همَّها، رغم أن أغلبهم لم يرها، ولا زالت قراءاته السياسية ومتابعاته الإخبارية للقضية مستمرة، لدرجة تجعلها ساخنة دائمًا، وأصبح من المعروف بداهة في الفلسطينيين اهتمامهم السياسي الواسع رغم اختلاف مشاربهم، ومنابتهم ومستواهم التعليمي، كما تنتشر بشكل كبير في أيدي الشباب الفلسطيني الميداليات التي تحمل صور من فلسطين، ويستثيرهم دائمًا من يتحدث عنها، إضافة إلى حفاظ الأعم الأغلب منهم على لهجة أهله ولسانهم.
"فلسطين . . أرضٌ بها شعب" حقيقةٌ أكدتها الأيام، ووثَّقتها الأحداث، وأكدها فلسطينيو الخارج مع الداخل، والشمس - كما يقولون- لا يمكن أن تحجبها بغربال