والرصاص .. (بيبلوغرافيا فلسطين والمقاومة)
الجبهة الشعبية لتحرير قلسطين
بقلم: علي بدوان*
في سياق الانعطافات المتتابعة في فروع حركة القوميين العرب في الأقطار العربية التي تواجدت فيها، وبروز البدايات العملية للمقاومة الفلسطينية على يد قوى أو أطر أو مجموعات بعضها منافس للحركة. تم عقد مؤتمر نيسان/أبريل 1963 في بيروت، والتأسيس لانطلاقة الجناح العسكري الفلسطيني من رحم الحركة بمشاركة بعض المجموعات الفلسطينية، في الوقت الذي تسارعت فيه مفاعيل الدخول القوي لتنظيم اقليم فلسطين في حركة القوميين العرب بعد حرب 1967 ونتائجها الكارثية، فأعلن الدكتور جورج حبش قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 7/12/1967، عبر بيانها التأسيسي الموجه للشعب الفلسطيني والأمة العربية، والداعي "لاعلان الكفاح المسلح والاستمرار فيه بالرغم من كل الصعاب"، والى اعتماد "لغة العنف الثوري ضد الاحتلال"، مركزاً على أهمية العمل في الداخل الفلسطيني، وعلى تكريس شعار: "نموت ولا نهاجر"، ومؤكداً على ضرورة مصارحة الجماهير، فطرحت الجبهة الشعبية شعار: "كل الحقيقة للجماهير".
وفي الخلفية التاريخية، كانت قيادة حركة القوميين العرب قد اتخذت قرارها عام 1960 بـتكوين جهاز فلسطيني خاص عرف باسم "إقليم فلسطين"، حيث تم الأمر عام 1964 من خلال فرز كادرات هذا الإقليم من الفلسطينيين المنتمين للحركة من مختلف مناطق تواجدهم، وتم بعد ذلك عقد مؤتمر لإقليم فلسطين في منطقة غور الجفتلك، وكان من أبرز حضوره كل من الشهيدين الدكتور وديع حداد، وأبوعلي مصطفى، وتم البدء العملي باتخاذ خطوات الإعداد للعمل الفدائي المسلح، ونفذت أولى العمليات الفدائية للجناح العسكري الفلسطيني لحركة القوميين العرب شمال فلسطين في الجليل الأعلى 21/10/1966، وسقط أربعة شهداء: خالد الحاج أبو عيشة، محمد حسين اليماني، رفيق محمد عساف، سعيد العبد سعيد. وشكلت الحركة في مخيمات لبنان نوى عسكرية فدائية مقاتلة من كوادر وإطارات الحركة واللاجئين المقيمين في سوريا ولبنان، كما تشكلت وحدات شباب الثأر بقيادة الشهيد الدكتور وديع حداد (أبو هاني).
وهكذا كانت الجبهة الشعبية عبر انطلاقتها المسلحة 9/12/1967 من إئتلاف:
1- حركة القوميين للعرب وجناحها العسكري: الجبهة القومية لتحرير فلسطين "منظمة شباب الثأر" بقيادة الشهيد الدكتور وديع حداد، وأحمد اليماني، وعبد الكريم حمد.
2- مجموعة الضباط الأحرار (ناصريين) بقيادة النقيب في الجيش الأردني الشهيد أحمد زعرور، وشكلت هذه المجموعة بعد خروجها من ائتلاف الجبهة الشعبية في أب/أغسطس 1970 : منظمة فلسطين العربية وأنضمت بعد ذلك الى حركة فتح.
3- تنظيم جبهة التحرير الفلسطينية (فرقة الشهيد عبد القادر الحسيني، فرقة الشهيد عز الدين القسام، فرقة الشهيد عبد اللطيف شرورو) _ بقيادة أحمد جبريل وهو التنظيم الذي حمل اسم (الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة) بعد خروجه من إئتلاف الجبهة الشعبية عام 1968.
4- مجموعة أبطال العودة – بقيادة كل من: الشهيد فايزجابر (أبو نافذ)، وصبحي التميمي (أبو جبريل). وتشكلت منظمة أبطال العودة بمساندة ودعم مالي وعسكري من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد الشقيري وجيش التحرير الفلسطيني بقيادة قائد الجيش اللواء وجيه المدني.
وتشكلت قيادة موحدة لائتلاف الجبهة الشعبية من: الدكتور جورج حبش، الشهيد الدكتور وديع حداد، المرحوم محمد كتمتو، المرحوم فايز قدورة، أحمد جبريل، فضل شرورو، المرحوم علي بشناق، صبحي التميمي، الشهيد فايز جابر.
وعقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الأول في أب / أغسطس 1968 قبل وقوع الانشقاق داخلها، وعقدت مؤتمرها الثاني في شباط / فبراير 1969، وصدر عنه الوثيقة المعنونة بـ "الاستراتيجية السياسية والتنظيمية" التي شكلت محطة هامة في تحول الجبهة الشعبية الى حزب ماركسي لينيني. وأنعقد المؤتمر الثالث في آذار / مارس 1972، وقد أقر وثيقة "مهمات المرحلة" والنظام الداخلي الجديد، وفيه التأكيد على المبادىء الأساسية: المركزية الديمقراطية، القيادة الجماعية، وحدة الحزب، النقد والنقد الداخلي، وجماهيرية التنظيم، والتأكيد بأن "كل عضو سياسي في الجبهة مقاتل، وكل سياسي مقاتل" … وفي نيسان / ابريل 1981 عقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها العام الرابع تحت شعار: "استكمال عملية التحول الى حزب ماركسي لينيني، والجبهة الوطنية المتحدة، وتصعيد العمل المسلح، وحماية وجود الثورة وتعزيز مواقعها …" وعقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها العام الخامس عام 1991 حيث أشارت أعمال المؤتمر ووثائقه الى المرتكزات السياسية للجبهة من خلال: أهمية الفكر وسلامة الخط السياسي ودوره في الانتصار، والتطرق الى الوظيفة الامبريالية للكيان الصهيوني، حيث رفعت الجبهة شعار "لا تعايش مع الصهيونية"، كما تطرقت وثائق المؤتمر الى موقع الرجعية العربية في دائرة الصراع معتبرة بأن التناقض معها "تناقضاً رئيسياً لاثانوياً"، وأكدت الوثائق بأن "البرجوازية العربية عاجزة عن انجاز مهمة تحرير فلسطين، من خلال نمو مصالحها وهي قي سدة الحكم الى موقع التلاقي المتدرج مع الامبريالية". وفي سياق أخر تطرقت وثائق المؤتمر الى العمال والفلاحين باعتبارهم مادة الثورة الطبقية الأساسية، وضرورة الربط الجدلي بين الوطني والقومي. وعقد الجبهة الشعبية مؤتمرها العام السادس في مخيم اليرموك بدمشق عام 2000، وفيه قدم الدكتور جورج حبش استقالته فاتحاً المجال للجيل الجديد من الدماء الشابة في مختلف هيئات الجبهة الشعبية، مع استمراره في موقعه المعنوي كمؤسس للجبهة الشعبية.
ومن الناحية السياسية، يمكن القول بأن الجبهة الشعبية لعبت دوراً كبيراً في مسار الثورة الفلسطينية المعاصرة، وأتخذت مواقف متشددة في اللحظات التي رأت فيها بأن القضية الفلسطينية أصبحت على ميزان المساومة خصوصاً بعد حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، فساهمت بتشكيل وقيادة "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية". وفي هذا السياق تبوأت الجبهة الشعبية الموقع الثاني في ترتيب القوى الفلسطينية من حيث الحضور والفعل والتأثير، حيث لعبت شخصية الدكتور جورج حبش، والكاريزما العالية التي تمتع ويتمتع بها في الشارع الفلسطيني، فضلاً عن مناقبيته العالية، دوراً هاماً في تقديم الصورة الايجابية والحضور المتميز للجبهة الشعبية واعطاءها طابعها النقي، بغض النظر عن الاشتقاقات السياسية التي ارتأتها الجبهة الشعبية في مراحل مختلفة، وما أعترته من قصورات هنا وهناك، أو سوء تقدير. ومع هذا فان الانشقاقات التي تتالت في صفوف الجبهة الشعبية أضعفت من حضورها نسبياً، وخفضت من حظوظ تنافسها المشروع مع حركة فتح لريادة الموقع الأول في منظمة التحرير الفلسطينية، ولايخفى على أحد بأن غالبية الانشقاقات التي وقعت في صفوف الجبهة الشعبية كانت بفعل تدبير خارجي.
في الجانب العسكري، يسجل للجبهة الشعبية دورها الرائد في الدفاع عن الثورة والشعب الفلسطيني في الأردن ولبنان، وفي النهوض الكبير لقوى المقاومة في فلسطين وساحة الصراع انطلاقاً من الحزام المحيط بفلسطين. ففي لبنان كان لتنظيم الجبهة الشعبية دوراً رئيسياً في الدفاع عن المخيمات خصوصاً في مخيم تل الزعتر بقيادة عضو اللجنة المركزية الشهيد أبو أمل، وابان اجتياحات 1978، 1982، وفي التصدي للاحتلال أعوام 1983، 1984، 1985 ودحره من بيروت والجبل وصيدا.
ومن الناحية التوثيقية، نفذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأئتلافها المكون لها بعد اعلان تأسيسها أول عملية نوعية تمثلت بالهجوم الأرضي على مطار اللد، وهي العملية العسكرية الفدائية الواسعة لمقاتلي الثورة الفلسطينية من أبناء ائتلاف الجبهة الشعبية داخل عمق فلسطين المحتلة عام 1948 في 11 /12 /1967 ونفذها مقاتلو ائتلاف الجبهة الشعبية بعد إتمامهم الدورات العسكرية الخاصة في معسكر عين السخنة. بقيادة محمد جابر شتا (أبوجابر) ، واستشهد فيها من أبناء مخيم اليرموك الشهيدين كامل ناصر وصائب سويد ، والشهيد إبراهيم النجار من مخيم الامعري. وبرز دور الجناح العسكري للجبهة الشعبية في الداخل الفلسطيني، حيث زجت الجبهة بمئات الكوادر العسكرية نحو الداخل، خصوصاً في قطاع غزة، حيث قاد الشهيد محمود الأسود (جيفارا غزة) عشرات العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال.
وأستطاعت الجبهة الشعبية، القيام ببعض العمليات النوعية من أجل لفت انتباه العالم لقضية فلسطين التي كادت أن تنسى، فقد نفذت الجبهة أول عملية خطف لطائرة صهيونية يوم 23/7/1968 كانت متجهة من روما الى تل أبيب، فقد أجبرت على الهبوط في الجزائر،وأضطرت اسرائيل للافرج عن 37 أسيراً فلسطينياً مقابل اطلاق الطائرة. ونفذت أيضاً عملية فندق الامبسادور في 22/6/ 1968 من خلال تفجير حقيبة، وعملية السوق (السوبر سول) وسط القدس الغربية عام 1969، كما نفذت الجبهة الشعبية عملية نسف سينما حين وسط تل أبيب عام 1974. ووجهت الجبهة الشعبية ضربات عسكرية للمصالح الأمريكية كعملية تفجير خط أنابيب النفط المارة من الجولان السوري المحتل، ونسف ناقلة النفط الاسرائيلية كورال سي في مضيق باب المندب عام 1971، وتوجت جملة من العمليات الخارجية، بعملية اختطاف الطائرات الأربع الى مطار المفرق (مطار الثورة) في الأردن ونسفها بعد اجلاء الرهائن من داخلها، فضلاً عن عملية مطار اللد في 13/5/1972، واغتيال الوزير الاسرائيلي رحبعام زئيفي في 17/110/2001.
وخلاصة القول، شكلت الجبهة الشعبية رافداً نوعياً متميزاً في مسيرة الكفاح الوطني الوطني الفلسطيني، ومن حينها أضحت تشكيلاً رئيسياً في صفوف الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وفي إطار منظمة التحرير الفلسطينية. حيث تناوب على تمثيلها في اللجنة التنفيذية كل من تيسير قبعة، أحمد اليماني، الشهيد أبو علي مصطفى، عبد الرحيم ملوح. ومن الشخصيات التاريخية التي تركت بصماتها في مسار الجبهة الشعبية اضافة الى الدكتور جورج حبش والشهيد أبوعلي مصطفى، يمكن أن نذكر: وديع حداد، أحمد اليماني، عبد الرحيم ملوح، أبو طلعت العجرمي، صلاح صلاح، أبو أحمد فؤاد، الشهيد غسان كنفاني، فايز قدورة، أبو العبد يونس، عمر قطيش، أبو علي حسن، ليلى خالد، عزمي الخواجا، حمدي مطر، أبو أحمد الزعتر (عدنان عقلة)، أبو نزار (عبد رجا سرحان)، تيسير قبعة، أحمد سعدات، كايد الغول، جميل مجدلاوي، أحمد قطامش، محمد الأسود (جيفارا غزة)، الهيثم الأيوبي …
* كاتب فلسطيني يقيم في دمشق